مقابلة سعادة الدكتور طلال أبوغزاله في مجلة المستثمر العربي
طلال أبوغزاله في لقاء خاص مع « المستثمر العربي » الأزمة العالمية – كذبة
المنطقة تصدّر رؤوس أمــــوال أكــــثر بـ50 مرة مما تستقطب
رغم كل التحديات المالية والاقتصادية التي يواجهها العالم منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في أواخر العام 2008، يصرّ الدكتور طلال أبوغزاله، مؤسس ورئيس «مجموعة طلال أبو غزاله الدولية» المتخصصة في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب، على أن هذه الأزمة ليست عالمية بل هي «غربية» حصراً. نظرة أبو غزاله تختلف عما هو سائد في أوساط الاقتصاديين والمراقبين، ولا تقتصر على مفهوم «الأزمة العالمية»، بل تمتد لتشمل أيضاً مفاهيم أخرى مثل «العولمة» و «تحرير التجارة» و «الحمائية» و «الاستثمار الأجنبي» وغيرها.
«المستثمر العربي» حاورت الدكتور طلال أبوغزاله في دبي عقب مشاركته في «مهرجان المفكرين العالمي الأول الذي استضافته أبو ظبي خلال شهر نوفمبر الماضي، للتعرف عن كثب إلى وجهة نظره حول هذه المواضيع والمتغيرات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والعالمية على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، والإطلاع منه كذلك على واقع وآفاق المبادرات العربية الهادفة إلى تشجيع البحث العلمي والدخول بقوة في اقتصاد المعرفة. وفي ما يلي نص الحوار:
الاستثمار بالمال لن يغني عن الاستثمار بالإنسان، والأمران معاً يشكلان دعامة الرسالة الإنسانية في إع مار الأرض.. فهل أصبح الإنسان العربي قادراً على التمتع بمكانة في اقتصاد المعرفة؟
أبنائي، بل أحفادي، ومنهم حفيدي الذي يحمل اسمي، يعرفون الأشياء التي نتحدث عنها الآن وأكثر منا أيضاً. فنحن دخلنا عصر المعرفة الذي ليس فيه ميزة لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض، إلا بالاجتهاد والمثابرة والإخلاص في العمل.أقص عليك قصة تفسر هذا التحول التاريخي. دعيت في العام 1974 إلى اجتماع لمجلس إدارة غرفة التجارة الدولية في باريس، حيث قدّم المستشار الأعلى للرئيس الأمريكي لشؤون الإنترنت عرضاً عن منتج الإنترنت من خلال صورة تجسد كلباً يجلس أمام جهاز الكمبيوتر ويضع قائمتيه على لوحة المفاتيح (الكيبورد)، وكان ذلك عبارة عن درس حول التقنية الجديدة آنذاك. وعلى شاشة الجهاز كتبت العبارة التالية: «إن عظمة الإنترنت هي أن الذي يوجد على الطرف الآخر لا يعرف أنني كلب». وأراد من خلال ذلك أن يوضح أن الإنترنت يمكنها أن تحقق الديمقراطية الكلية في العالم، إذ أن كل من يدخل محيط الإنترنت يتساوى مع غيره ممن يسبحون فيه، كما لو أن الأمر يتعلق بـ»ديمقراطية السباحة» في البحر التي تجمع بين الأمير والخفير على قدم المساواة، وإن اختلفت مادة أو لون قميص السباحة اللذين لا يعنيان شيئا في عملية السباحة نفسها. واليوم، فإن هذا التقدير قد أصبح واقعاً فعلا. فابني وابنك وابن رئيس وزراء اليابان أو أي شخصية حول العالم، وكذلك حفيدي، لديهم القدرات ذاتها في التعامل مع الإنترنت، وأمامهم جميعاً مصدر معلومات لا ينضب. لذلك، تجدني لا أخشى على النهضة العربية وعلى الشباب العربي من الفاقة المعرفية. وحرصاً مني على هذا الهدف منذ أن تدربت على الكمبيوتر في العام 1962 عندما كان الجهاز بحجم غرفة بطول 15 متراً، وكان يعرف حينها باسم جهاز تحليل البيانات، وحيث كان والداي رحمهما الله يحرصان على تعليمي لا على شراء دراجة هوائية أو نارية لي، منذ ذلك الحين وأنا مقتنع ومصمم على ألا أشتري لأبنائي أي لعبة أو شيء إلا إذا كان له علاقة بالإنترنت ومجتمع المعرفة، لأنني أعتبر أن إحدى مشكلاتنا في تنشئة أبنائنا، تكمن في أن أولوياتنا خاطئة.أعتقد أن إحدى النتائج الكارثية للحرب على العراق، تمثلت في القضاء على ثلاثة آلاف عالم. وهذه حقيقة يجب أن تقال لأنها تبرهن أن جينات الإنسان في منطقتنا ليست أقل شأناً من جينات الإنسان الموجود في الغرب. وستيف جوبز (مؤسس «أبل») الذي يكنّ له الغرب تقديراً كبيراً، كان يملك جينات عربية، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يقول إن العرب عاجزون عن الاختراع أو البحث أو التقدم. و أنا شخصياً ليست لدي مشكلة ثقة في عظمة وقدرة هذه الأمة، وأقول ذلك أيضاً من موقعي كرئيس للشبكة العربية للبحث العلمي في الجامعات والتي تعمل تحت مظلة الجامعة العربية وبالتعاون مع شبكة جامعات الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، أشير إلى المؤتمر الأول الذي يعقد في الأردن يوم 12 ديسمبر، والذي يتناول إمكانات تطوير بنية تحتية واتصالاتية بين جامعاتنا، من أجل تشجيع البحث العلمي أولا، وإجراء أبحاث مشتركة وربطها مع مثيلاتها في العالم، للاستفادة منها وخلق ما يسمى «بـثقافة البحث العلمي».صحيح أن الأمة العربية هي الأضعف في العالم في مجال البحث العلمي، وحتى أنها أقل شأناً من دول إفريقية عديدة، ولكن هناك نقطة إيجابية تتمثل في أن لدينا اليوم أعلى نسبة استثمار في بناء القدرات والكفاءات في مجال التعليم والبحث العلمي، وهي موجودة بالذات في دول الخليج. وعلى سبيل المثال، تخصص المملكة العربية السعودية ما يعادل 20 % من ميزانيتها العامة للتعليم والبحث والعلمي، وهذا ينطبق على دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها.
هل هذا يعني أن مجال البحث العلمي في العالم العربي بخير أو – على الأقل – في طريقه إلى النهوض بخطوات متسارعة؟
ألا يبدو هذا الأمر مخالفاً لما يؤكده العديد من الخبراء؟بصفتي رئيس منظمة عربية تهتم بالجودة في التعليم، ورئيس منظمة عربية تهتم بالبحث العلمي في الجامعات، أستطيع أن أقول انطلاقاً من هذه المسؤوليات، إن هناك تغييراً كبيراً في قطاع المعرفة والبحث العلمي في وطننا العربي. لكن هذا التغيير يأتي على قدر الإمكانات المتاحة. فبالنظر إلى هذه الإمكانات، نجد أن واقع البحث العلمي يمضي هذه الأيام في اتجاه صحوة علمية عربية توازي النهضة الحاصلة في مجتمعاتنا، بل إن التقدم في مجال البحوث والتطبيقات العلمية سوف يتعزز مع مضي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية قدماً. فاليوم نجد في دولة الإمارات مثلاً حركة نشطة لعقد المؤتمرات المتخصصة في هذا المجال وإطلاق المبادرات الرائدة التي تعبر عن مرحلة جديدة من الاهتمام بالبحث العلمي، حتى أننا بتنا نسمع عن مهرجان للمفكرين يضم مجموعة كبيرة من العلماء بعضهم حاصل على جوائز نوبل، وكل هذه مبادرات تهدف إلى تحقيق قفزة حضارية في البحث والتطبيق العلمي، قفزة تؤمن بها قيادة دولة الإمارات إيماناً كبيراً. وبالنسبة إليّ، فإن الإمارات لديها تجربة رائدة عالمياً، خصوصاً بعد أن نجحت في فترة قياسية في تحويل الصحراء إلى دولة حديثة، مع المحافظة في الوقت ذاته على التراث والتقاليد العربية العريقة. وبمناسبة الحديث عن مهرجان المفكرين، فإن أهل الفكر عموماً يثمنون بكل تقدير واعتزاز هذا المشروع لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والذي تربطني به صداقة متينة منذ 30 سنة قبل أن يصبح وزيراً. وقد تابعت شخصياً جهود الشيخ نهيان بن مبارك لسنوات طويلة وأدرك جيداً مدى اهتمامه ومثابرته ليل نهار في سبيل إعلاء شأن المعرفة والعلم والعلماء. وفي السياق ذاته أيضاً، استضافت إمارة الشارقة في الثامن والعشرين من نوفمبر مؤتمراً كنت مشاركاً فيه أيضاًن حول كيفية تحويل الإختراعات العربية إلى منتجات، وهو الأمر الذي تشتد حاجة دول المنطقة إليه. من هنا، يمكننا القول إن النهضة العلمية في الإمارات قطعت بالفعل أشواطاً كبيرة على المستويات كافة وفي مختلف المجالات، ما يؤكد أن موضوع البحث العلمي ليس قضية معزولة عن القضايا الأخرى في المجتمع. وثمة جهود كبيرة مماثلة في الدول العربية الأخرى، وخصوصاً في السعودية ومصر التي تظهر فيها إشارات إيجابية تبشّر بمرحلة عربية جديدة. أما في الأردن، فقد قدّمت بصفتيى رئيساً لمنتدى دعم السياسات الاقتصادية، كتاباً يتضمن الإصلاحات السياسية والسياسات الاقتصادية والمالية التي على الدولة القيام بها من أجل تحقيق تقدم متكامل، بما في ذلك التقدم العلمي.وفي كل الأحوال، إنه لأمر مطمئن أن نرى عملية الإصلاح ماضية إلى الأمام في الوطن العربي، سواء جاءت هذه العملية بشكل تلقائي أو بفعل الحاجة الاضطرارية. فالأمة العربية أمام نهضة فعلية حتمية شاءت أم أبت، نهضةٌ تتم بالإرادة الذاتية أو بدفع من عوامل أخرى. أما العقول العربية والاختراعات العربية فهي موجودة بكثرة، ومن مهامي كرئيس للجمعية العربية لنقل التقنية والإبداع، أن أعمل على تنشيط كافة السبل التي تساعد المخترعين على تحويل مخترعاتهم إلى مشاريع ومنتجات ملموسة.
ألن تعاني عمليات الإصلاح في كافة المستويات من آثار سلبية بسبب الأزمة العالمية التي لا تزال تتفاعل وتلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي والاجتماعي في العالم؟
لا يوجد شيء اسمه «أزمة عالمية»، وأنا لا أجد من يناقشني ويقنعني بأدلة حول الآثار والانعكاسات السلبية للأزمة المالية «الغربية» على المنطقة. وإذا كان ثمة من يعرف شيئاً عن ذلك، فهو «مجموعة طلال أبو غزالة» كمدققي حسابات مهمتنا التقييم والتدقيق. نحن لا نكترث للأقوال، بل نحتكم إلى النظر في الميزانيات بكل المجالات وعلى جميع المستويات، من التاجر الصغير إلى المؤسسات الكبرى، وصولاً إلى الحكومات والمؤسسات العالمية. ومن هذا المنطلق نجزم أن لا وجود لأزمة عالمية، باستثناء الأزمة الحقيقية في الغرب.هناك تسويق إعلامي خاطئ ويتداوله إعلامنا العربي بطريقة غير واعية. لقد صرح الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش إبان الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية قائلا: «نحن جميعاً كغرب وكعالم، وقعنا جميعا في هذه الأزمة، ولن نتخلص منها إلا معاً. ولا يجوز لأي دولة أن تستفيد من هذه الأزمة». تلك كانت أمنياته ومغالطاته، لكن تم اعتماد هذه المغالطات، وأصبح الحديث يدور عن أزمة عالمية.فلننظر الآن لنعرف من هو المتضرر ومن هو المستفيد من الأزمة الأمريكية – الأوروبية. الدول الغربية تشهد اليوم أزمة مالية وتراجعاً وانكماشاً اقتصادياً، وتزداد ديونها وعجزها لتصل إلى مرحلة الإفلاس، كما هي حال آيرلندا واليونان وإسبانيا وإيطاليا التي كنتُ قد وضعتها قبل سنوات ضمن لائحة الإفلاس التي ستدمر أوروبا لكونها اقتصاداً حيوياً ضخماً، ولكون دينها العام يزيد على 4 تريليونات دولار خلافاً للرقم المشوه الخاطئ الذي أعلنت عنه حكومة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني وهو 2.6 تريليون دولار. وسينتقل سرطان الإفلاس إلى دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا، في حين أن الدولة الأوروبية الوحيدة التي يمكن أن تنجو من الأزمة هي ألمانيا إذا ما سمحوا لها بذلك ولم يغرقوها معهم.لقد كتبت عدة مقالات وصرحت لمختلف وسائل الإعلام بأن أوروبا ستتفكك وتتحلل تدريجياً، ولن تستمر كاتحاد، بل ستتحول إلى نظام آخر يشبه جامعة الدول العربية التي هي ملتقى سياسي، كل دولة فيها تبحث عما يناسب مصالحها الاقتصادية. وهذا الأمر استنتجته عندما قالت قمة الاتحاد الأوروبي إن لدى كل دولة الحق في اتخاذ الإجراءات الحمائية التي تراها مناسبة.
قد يتعارض هذا مع مضمون وثيقة منظمة التجارة العالمية التي تقول بأنه لا يجوز لأي دولة أن تتخذ إجراءات لحماية اقتصادها على حساب الدول الأخرى، فما هو تعليقكم؟
إن ذلك يتعارض فعلاً معها ومع غيرها من المواثيق والإتفاقيات، وهو عكس ما تنص عليه منظمة التجارة العالمية وما يحصل فعلا. وواقع حال كل دولة يقول إنها تقوم بعمل ما تراه ضرورياً أو مفيداً لمصلحتها، سواء تعارض ذلك أو تطابق مع النصوص الموقعة. إن موضوع تحرير التجارة الخارجية الذي مازلنا نتحدث عنه، قد انتهى فعلاً.
ألا يتعارض هذا أيضاً مع سمفونية العولمة؟
ليس هناك شيء اسمه «العولمة»، على الرغم من أنني سمعت هذه العبارة كثيراً في مهرجان المفكرين في أبوظبي. فالعولمة كانت مرحلة اخترعها الغرب لترويج فكرة أن العالم واحد وأن كل بضائع وأموال ومجالات الدول هي للجميع في قرية العالم الصغيرة. وهذا ليس صحيحاً، لأن كل دولة تفتش عن مصلحتها، وفي مقدمتها أمريكا مخترعة هذه الكلمة. والدليل الواضح على ذلك هو أنه عندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تخصيص 800 مليار دولار لتطوير البنية التحتية قال: «لم نسمح لأي دولة أو خدمة أجنبية أن تستفيد من هذا المشروع». هذا هو التعريف الواضح للحمائية التي هي ممنوعة في منظمة التجارة العالمية التي أسستها أمريكا.
هل كان الكلام موجهاً للصين؟
الصين هي الهاجس الأكبر. لقد حضرتُ اجتماعاً لأكاديمية العلوم الوطنية في واشنطن عام 1985، وكان البحث يومها يدور حول ما ستكون عليه الصين وأمريكا في 2020، ما يشير إلى أهمية الصين في الاقتصاد العالمي، خصوصاً في المرحلة المقبلة التي تراها أمريكا بأم عينها من خلال الدراسات والتقارير التي تصدرها مراكز الأبحاث بحضور رسمي أو بدونه. والعديد من تلك التقارير وإن كانت غير معلنة، موجودة ومطبوعة، وهي تقول إن الثروة ستنتقل من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب. هكذا تقول مراكز الأبحاث والدراسات الغربية الأمريكية.وأكرر ما قلته في «مهرجان المفكرين العالمي» الذي كنت أحد المتحدثين المدعوين فيه: يجب أن ندرك أن التاريخ هو سلسلة من الأحداث ومن الدول، ولا يمكن أن تستمر دولة ما إلى الأبد. نحن العرب حكمنا العالم قروناً طويلة وأسسنا العلوم والاختراعات والرقم صفر أساس الإنترنت والفنون والثروة والكلمة. كانت تلك مرحلة، وعندما لم نحافظ على ما في أيدينا وأسأنا قيادة العالم، خسرنا قيادته. والآن، الغرب – وبسوء قيادته للعالم – يخسر هذه القيادة.
هل الأزمة الراهنة إذن غير متعلقة إلا بالدول الغربية، ولا انعكاسات لها على باقي دول العالم؟
الحقيقة أن هناك أزمة غربية. من الغريب ألا تكون الأزمة العالمية موجودة في العالم عندما كان الناس يموتون جوعاً في إفريقيا ولا يزالون، دون أن ننسى أن عدد سكان أوروبا وأمريكا معاً لا يشكل سوى 20 % من مجموع سكان العالم. لكن عندما يتم تخفيض الضمان الصحي لشخص أو لمجموعة أشخاص في السويد أو شيكاغو أو اليابان، يخرج الناس للتظاهر في الشوارع ويصبح هناك أزمة عالمية. أجدد القول إنه ليس هناك أزمة عالمية، بل أزمة غربية سببها أن تلك الدول صرفت أكثر من قدراتها، وأعطت شعوبها المدللة أكثر مما يتحمل الدلال، حتى أصبحت تطالب بـ30 ساعة عمل، أي 4 أيام عمل في الأسبوع.عندما بدأت الأزمة المالية قلت إن هذه الأزمة ستصبح أزمة اقتصادية، وهذا هو الأخطر، لأنها ستستمر لـ10 سنوات. لماذا؟ لأن الدولة اتخذت منهجاً بأن تشتري الأزمة من الاقتصاد الخاص إلى اقتصاد الدولة. يعني أنها – ومن أجل إنقاذ الشركات والمؤسسات البنكية الفاسدة – اضطرت إلى طباعة أوراق الدولار ومنح القروض وشراء الموجودات الفاسدة، مع السماح لعدد محدود من الشركات والبنوك بالإفلاس، في وقت كان من المفروض أن يفلس فيه ألف بنك. تم إذن اتخاذ إجراءات لإنقاذ الشركات الفاسدة على حساب الاقتصاد العام للدولة. ونتيجة لذلك انتقلت الأزمة من أزمة شركات إلى أزمة حكومات أصبح لديها عجز ودين، ما جعلها عاجزة عن أداء الخدمات للمواطنين. وهذا ما حصل في بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول التي تنتهج السياسة ذاتها أو الأسلوب ذاته في التعامل مع الأزمة المالية.لقد أبدى البعض استغرابه من أن تشمل الأزمة فرنسا، وكان جوابي أن فرنسا أول تلك الدول المتأزمة، وأنه سنرى في العام 2012 فرنسيون يتظاهرون في الشوارع كما حصل في شارع وول ستريت عندما هتف المتظاهرون مرددين جملة بالعربية حفظوها عن ظهر قلب (الشعب يريد إسقاط النظام).
عودة إلى موضوع إفلاس الدول، ماذا يعني هذا الوصف بالتحديد؟
طُرح عليّ في السابق هذا السؤال وأقدم الآن الإجابة ذاتها، فأقول: إن أي شركة عندما تفلس تقوم بتسريح الموظفين وتغلق مكاتبها وتبيع الموجودات وتصفي ممتلكاتها وتسدد بثمنها ما تستطيع من ديونها. هذا ما يحصل بالنسبة إلى الدول عندما تفلس، مع فارق بسيط هو أن الشركة المفلسة تسرح موظفيها، فيما الدولة المفلسة تستغني عن شعبها.وبالنسبة إلينا نحن، يجب أن نضع أزمتنا الحالية في إطارها الصحيح لكي يدرك المواطن العربي بأن مستقبله ليس مرتبطاً بالكارثة التي يقبل عليها الغرب. فالغرب مقبل على كارثة اسمها «إفلاس الدول»، وهذه ظاهرة جديدة في التاريخ الحديث تنسجم مع منطق التاريخ.
كيف تستغني الدول عن شعوبها؟
عندما تصبح غير قادرة على تأمين الخدمات التي وجدت بسببها. فالحكومة موجودة لتأمين الوظائف والبنى التحتية من طرق وتعليم وصحة وغير ذلك. وعندما تصبح عاجزة عن توفير هذه الخدمات تصبح حتماً مفلسة وتتنصل من مهماتها، وهو ما يعني أنها تسرّح شعبها.
ولماذا أفلست الدول؟ أو لماذا أصبح الإفلاس قدراً مقدوراً ما دام في الغرب مراكز دراسات مستقبلية رسمية وغير رسمية؟أولاً، لماذا حصلت الأزمة؟
الأزمة حصلت لأن قادة العالم الغربي (وواضح هنا أن الحديث عن سوء القيادة في العالم العربي ليس حكراً عليه، وسيتوضح أنه أهون مما يوجد في الغرب)، هم قادة أساؤوا القيادة بشكل أناني وانتهازي. فلكي يُنتخب أي سياسي في الغرب، كان عليه أن يزايد على منافسيه السياسيين برشوة الشعب؛ فهو يعِد ببرنامج يقلص سن التقاعد من 64 إلى 60، ويعِد بتخفيض الضرائب مع التعبير عن رغبته في إعفاء المواطن منها. ورغم تقرير من مكتب الحسابات العامة الأمريكي مثلا بأن الضمان الصحي في أمريكا سيشكل عبئاً على الحكومة الأمريكية من الدين العام بقيمة 15 تريليون دولار، إضافة إلى الدين الحالي البالغ 15 تريليون دولار أيضاً، رغم كل ذلك، فإن البرنامج الإنتخابي يتضمن هذا الإجراء الذي لا يناسب وضعاً مالياً واقتصادياً كارثياً. القادة في الغرب يعِدون شعوبهم لأنهم يريدون الفوز في الانتخابات، وهم يحمّلون مواطنيهم ديوناً على مدى 20 أو 50 أو حتى 100 سنة، ولايكترثون للأجيال المقبلة بل يهتمون بنتائج الانتخابات من خلال التنافس على إعطاء المزايا التي لا يستطيعون تقديمها. وبالتالي فإن انتخاب القادة في الغرب، أدى إلى أزمة، ويؤدي إليها بالتراكم حتى الإفلاس.وعندما بدأت الأزمة، أصبح القائد الفائز في الانتخابات يفكر في الذهاب خارج مشهد القرار، تاركاً المشكلة لمن يخلفه.
إضافة إلى البرتغال وآيرلندا واليونان وإسبانيا، ما هي الدول التي قد يشملها سيناريو الإفلاس الأوروبي في المرحلة القريبة المقبلة؟
أولاً إيطاليا وفرنسا، وستلحق بهما بريطانيا. فكل تلك الدول لديها عجز فادح، وأنا لا أتحدث بالكلمات بل بالأرقام. قرر الاتحاد الأوروبي، وقرر البنك وصندوق النقد الدوليان أنه لا يجوز لأي دولة أن يزيد العجز في ميزانيتها على 3 % من الناتج القومي، ويجب ألا يزيد الدين العام على 60 %، وأنه إذا زاد على هذين الحدين يجب حينها اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الوضع وتجنب الإفلاس، بينما نرى اليوم أن كل الدول الغربية تعدّت هذه الحدود بأضعاف. اليابان مثلاً، والتي تعتبر دولة عظمى، سجلت ديناً عاماً بلغ 220 % من ناتجها القومي. إن الإقرار بانهيار اقتصاديات الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة جاء من الولايات المتحدة نفسها التي نشرت صحفها العديد من التقارير لتأكيد هذه الحقيقة، ومن بين تلك التقارير ما نشرته «نيويورك تايمز» على شكل خريطة بيانية توضح تشابك الأزمة الغربية بين الدول الغربية نفسها بشكل يزيل كل لبس في الموضوع.إفلاس الحكومات التي تحدثتم عنه سيؤدي بالضرورة إلى ردة فعل شعبية وإلى انهيار الحكومات وانتشار الفوضى. فما الذي يمنع انتقال العدوى إلى باقي دول العالم ومناطقه؟أحسنت، لكن مهما كان من أمر، فإنه لن يَضرب كل مكان في العالم، بل فقط بعض الدول التي تشترك اقتصادياً مع الغرب مثل اليابان. فإذا مات الناس في الموزمبيق، ليس بالضرورة أن يموتوا أيضاً في شيكاغو.هذا طرح منطقي، لكن منطق الغرب قد يكون مختلفاً، وربما وجد الحل عسكرياً في توفير احتياجاته واحتياجات شعوبه المدللةّ..لم يعد للغرب قدرة عسكرية، هذا أمر كان مصدر تهديد في السابق عندما كان يلجأ إلى الحرب لمعالجة كل مشكلة. أما الآن، فنرى أن الولايات المتحدة تلجأ إلى سحب قواتها من كثير من المناطق، لأن وضعها لا يسمح، لا سيما بعدما أصبح لديها عجز في الموازنة، وباتت مضطرة إلى خفض موازنات الدفاع وتقليص الدعم العسكري للكيان الإسرائيلي المحتل، وهو ما حصل فعلاً في سابقة تاريخية لم نسمع بها من قبل.
فما هي ردة الفعل الإستراتيجية للغرب في هذه الحالة؟
ليس للغرب في هذه الحالة من ردة فعل. وسأريحك بالجواب عما تقصد البحث عنه وكنت أحتفظ به إلى نهاية الحوار، فأقول ردة الفعل هي التي قالها الرئيس الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى الصين للمشاركة في قمة العشرين في شنغهاي. لقد قال أوباما: «إن انتعاش الاقتصاد الأمريكي يعتمد على ازدهار الصين وآسيا».إذن، يبدو أن معالجة الأزمة بالنسبة إلى الحكومات الأوروبية مهمة مستحيلة..لا فائدة من أي محاولة، فتلك الدول هي تقنياً مفلسة وإن لم تفلس في الواقع حتى الآن. ولكن ما سيحصل هو ما تحدثتُ عنه في العام 2009، عندما أكدت في وسائل الإعلام أن الأزمة ستنتقل من المستوى المالي لتصبح أزمة اقتصادية ثم أزمة اجتماعية. فالشعوب الغربية ستثور لأنها تعودت على الميزانيات التي وضعتها الحكومات بين يديها، وهي لن تقبل التنازل عنها.المفارقة أن إعلامنا يتحدث عن اليورو، لكن المشكلة أعمق بكثير من مشكلة اليورو. إنها مشكلة انهيار النظام المالي الغربي.
وهل نحن بعيدون عن تلك التوازنات الجديدة؟
لسنا بعيدين، بل نحن في صلبها، لكننا مستفيدون ولدينا مصلحة في لحظة تاريخية ولسنا خاسرين. إننا في مرحلة تاريخية جديدة وفريدة. إن من مصلحة الغرب أن نزدهر نحن لإنقاذه، وبالتالي لا يستطيع أن يدمرنا ما دام ليس لديه بديل. إنه يريد أسواقنا لبضائعه وكثير من موارده البشرية، حيث تعاني أسواقه حالة انكماش مزمن. والآن أصبح المواطن الغربي يفد إلى منطقتنا بحثاً عن عمل. فلم يعد العالم كما كان في السابق حين كنا نقول «إذا عطست أمريكا يصاب العالم بالنومانيا». اليوم تقول أمريكا: «إذا أنا عطست، مطلوب منك أنت أن تداوني». والأهم من ذلك أن أوباما قال قبل زيارته إلى شنغهاي إن انتعاش أمريكا يعتمد على ازدهار الصين، وخلال الزيارة أضاف كلمة «آسيا» إلى الصين، وكأنه اكتشف من جديد شيئاً اسمه آسيا وهو أكبر من الصين حيث توجد الهند ودول أخرى.
وماذا بعد الأزمة الاجتماعية الغربية؟
وكيف يكون ثمة أثر إيجابي على الوطن العربي، وهو شريك إلى حد ما للمنظومة الغربية؟سيكون الأثر إيجابياً، لأنه أولا ونتيجة لهذه الأزمة ستنخفض الأسعار، وبالتالي نشتري البضائع بقيمة أرخص. أما عن الشراكة وهذا سبب ثان لعدم تأثرنا سلباً، فإننا لسنا شركاء مع الغرب. الشركاء الحقيقيون هم الذين جمعتهم الأزمة وهم أمريكا وأوربا واليابان. أما الكلام الذي كنا نسمعه منذ 50 عاماً عن الشراكات التي تجمعنا بهم فهو أمر غير صحيح، لأن شراكة طرفين تعني تشاركاً في رأس المال والربح والخسارة، بينما الواقع أن الشراكات المزعومة تقوم على نظام الـ«فرانشايز» الذي تأخذ بموجبه الدول الغربية مقابلاً لقاء استغلال الاسم. شخصياً، لا أعرف مشاركات حقيقية إلا مثل هذه التي توصف في الواقع بأنها اسمية وليست فعلية. أعرف أن هناك صفقات وهو أمر طبيعي بين كل بائع ومشتر يحتاج كل منهما إلى الآخر ضمن منطق البيع والشراء، لا غير.
إذن، تريد القول إن الأمر هو مجرد مفاهيم مغلوطة ولا يستند إلى حقائق واقعة؟
نعم، فالناس في الغرب يدركون اليوم بأن العالم يتغير وبأن كل المفاهيم تتغير مع الوقت. في الحقبات السابقة، كان يمكن للقوى العظمى أن تسوّق مفاهيمها لدى الدول الأخرى، لكن اليوم هناك من يقول لتلك القوى كلمة «لا»، وقد بدأت المرحلة الجديدة.
هل قالت الصين «لا» وهي تجامل أمريكا وتتربص للتربع على عرش المرحلة المقبلة، أو التي قلتم إنها بدأت بالفعل؟
أبدأ الجواب بقصة عايشتها أثناء حضوري توقيع اتفاقية حول الحماية الفكرية بين الولايات المتحدة والصين، وهي الاتفاقية الثنائية لحماية الحقوق الفكرية التي توقعها أمريكا مع كل الدول. الاتفاقية كلها كانت عبارة عن شروط تمليها أمريكا على الصين. وخلال مأدبة العشاء التي جمعتني بوزير التكنولوجيا الصيني قلت له: «أعتقد أن توقيع اتفاقية تتضمن شروطاً أحادية الجانب على الصين العظمى كان أمراً صعباً». فكان رده بالنفي، إذ قال: «تعلمنا عبر خمسة آلاف سنة أن نطأطئ الرأس ونقول نعم إلى أن يأتي اليوم الذي نرفع فيه رؤوسنا ونقول لا لتظل رؤوسنا مرفوعة».الصين فعلا استعملت هذا الأسلوب لأنها استمرت في الموافقة على كل شروط أمريكا، ولكن ضمن شرطين – وأقول هذا الكلام لمعرفتي بتفاصيل مفاوضات انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية – وأول الشرطين أن يكون التوقيت الزمني بيد الصين، بحيث لا تفرض أمريكا انهيار الصين مثلما حصل في الاتحاد السوفياتي بفتح سوقه دفعة واحدة. فالصين اشترطت تنفيذ فتح أسواقها من خلال برنامج زمني مطاط. أما الشرط الثاني، فيتعلق بموضوع العملات التي لا يتوافر بشأنها نص في المنظمة، وهو اعتراض طبيعي ولا يجوز إدخال موضوع العملة الصينية ضمن بنود الإتفاقية.والآن، ومن خلال القرار الصيني الذي كان في منتهى الدهاء، تمكنت الصين من النجاة من الأزمة، حيث لاعلاقة لعملتها بالسوق المالي نهائياً. والصين ترفض ذلك مطلقاً رغم أن أوباما يصعد كل صباح إلى المنصة ليقول إن على الصين أن ترفع سعر عملتها، وإن على العالم أن يضع حلولا مشتركة لمعالجة «الأزمة العالمية».
هل العلاقة الاقتصادية للصين مع الوطن العربي وإفريقيا ترقى إلى مستوى الشراكة في المشاريع التي يعلن عنها في هاتين المنطقتين؟
بالفعل، كل مشاريع الصين في إفريقيا هي شراكات. وفي أي مجالات؟ في كل المجالات المتعلقة بالسلع والمعادن التي هي أساس الصناعات.هناك مسألة ثانية أو «كذبة ثانية»، وأوضحها بالقول بما ألقيته في خطاب خلال مؤتمر سنوي حول الاستثمارات الخارجية المباشرة. يقولون إن فتح الأسواق يشجع على حضور أعلى للاستثمارات، وإن الدول العربية التي فتحت أسواقها جاءتها الاستثمارات الأجنبية إليها. هذا كلام قاله الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش أيضاً في مؤتمر شرم الشيخ («افتحوا أسواقكم لتأتيكم الاستثمارات»). والواقع أن الدول العربية مصدّرة للاستثمارات بمقدار 50 مرة – وليس 5 مرات فقط – أكثر مما لدينا من الاستثمارات الغربية. نحن نصدّر صافي الاستثمار، بينما الاستثمار الأجنبي في بلداننا مجرد كذبة كبيرة. وأنا منذ السبعينيات كنت أناشد بإلحاح وزراء الاقتصاد والمال العرب لإلغاء قانون تشجيع الاستثمار الأجنبي.
دعوتكم هذه تكاد تكون غريبة فعلاً منذ السبعينيات إلى الآن وإن كنا على يقين بأن الانتعاش الاقتصادي لا يأتي من الخارج..
نعم لا يأتي من الخارج، وعلينا أولاً أن نجعل الاستثمار يحترم مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان، فلا نعطي الأجنبي ميزات على المواطن. وثانياً، علينا أن نفهم أن الأجنبي لن يأتي إلى ديارنا بالاستثمار إذا كان مواطنونا قد ذهبوا باستثماراتهم إلى دياره. بل إنه يأتي عندما يستثمر المواطن في وطنه ويخلق بيئة مطمئنة تنعكس على شعور وقرار المستثمر الأجنبي. ولماذا يأتي الأجنبي للاستثمار في بلداننا ما دامت أسواقنا تحت تصرفه مجاناً وما دمنا نشتري بضائعنا منه، وما دام رأسمالنا عنده؟ لذلك، فالمستثمر الأجنبي المنتظر لن يساومنا لأنه ليس في حاجة إلينا، وقد أعطيناه كل ما يرغب في الحصول عليه. وهو في هذه الحال لا يكلف نفسه عناء قراءة قوانيننا الخاصة بالاستثمار. إنني أعمل في شركتي مدققاً للحسابات، ولم تسألني شركة أجنبية واحدة من بين مئات الشركات عن قانون الاستثمار.
هل يمكن أن يكون الربيع العربي سبباً إضافياً في رحيل الاستثمارات العربية إلى الخارج، وقد سمعنا أن 50 مليار دولار تقريباً قد رحلت إلى لندن وباريس حتى الآن؟
إسمح لي أن أعترض على كلمة «الربيع العربي» مثلما اعترضت عليها في مهرجان المفكرين. الربيع هو فصل من فصول السنة، بينما الأمر يتعلق بنهضة عربية تشبه النهضة التي حدثت في أوروبا ومناطق أخرى من العالم. ومفهوم النهضة ينطبق على هذه المرحلة في الوطن العربي لأنها تبدأ بمرحلة صعبة وتنتهي بازدهار. قد يقال إن ليبيا قد دُمرت، فأي نهضة تقصد؟ وأقول: هل كانت ليبيا مزدهرة خلال السنوات الأربعين الماضية؟ الأمر يشبه وقف نزيف لا خيار أمامنا غيره للانتهاء من مرحلة اتسمت بالفساد والظلم. أنا لا أدافع عن الخسارة، وإن كانت قد حصلت مالياً واقتصادياً وإنسانياً واجتماعياً وصحياً ونفسياً، لكن ذلك كله لا يبرر أن نستمر في الإبقاء على الأخطاء التي كانت قائمة.
هل يتعلق الأمر بثمن النهضة؟وهل يتضمن الثمن سنوات طوال قد تكون عجافاً، وقد تحاول الشركات الأجنبية أن تستفيد منها كما هو مرشح في الحالة الليبية؟
نعم، لهذه النهضة كما لكل نهضة ثمنها. ولقد تطلبت النهضة الأوربية بعد قرون الظلام 20 سنة، وذلك بعد 200 عام من الانحطاط، لتنتهي أوروبا إلى مرحلة ازدهار. أما بالنسبة إلينا، فإن مدة النهوض والازدهار ستكون وجيزة لأننا اليوم في عصر مغاير يتميز بالسرعة وهو عصر تقنية المعلومات والاتصالات. ونستطيع أن نتخيل أن هذه المرحلة وإن تطلبت بالضرورة ثمنا ومعاناة، فإنها ستمر بسرعة كبيرة.وفي ما يخص استفادة الشركات الغربية بالنسبة إلى الحالة الليبية مثلاً وإعادة البناء، أقول إن الشركات الغربية كانت منذ 34 سنة مستفيدة، ليس من إعادة البناء، ولكن من أموال موضوعة ليس باسم الشعب، وهي تصرف في ما لا يخدمه بأي شكل من الأشكال.والفساد الأخطر ليس في الرشوة التي طبعت كل الصفقات التي تمت في ليبيا، ولكن يكمن بوضوح في الفساد المنظم الذي يجعل من كل صفقة باطلة إلا إذا كان لفلان حصة فيها. ولتوضيح حجم الفساد الذي كان ينخر الدولة الليبية، يكفي أن أخبرك بأن لدى «مجموعة طلال أبو غزالة» 71 مكتباً في كل الدول العربية وغير العربية باستثناء ليبيا، لأن المطلوب كان إشراك السلطة دون وجه حق ودون أن يكون الشريك المقترح مهنياً، ما يعني أنه سيؤثر سلبا في منتجاتنا وهي تقوم على الحساب والتقييم والتدقيق لا على النفوذ.
كمدقق حسابات، كيف تقيمون وضع الاقتصاد العربي في مرحلة النهضة الجديدة الحالية؟
من موقعي كمدقق حسابات، أشهد أن الاقتصاد العربي ازدهر بعد هذه النهضة ولم ينكمش، ومن معاييرنا الخاطئة أننا دائماً نقيس الاقتصاد بسوق المال وسوق الأسهم. إن أي معاملات في هذين السوقين تضيف صفراً إلى الناتج القومي الذي يتأثر في الواقع بعمليات بيع وشراء الخدمات والسلع. ليس مهماً رأس المال الذي يتحول من هنا إلى هناك، فلو كان موجوداً ومشغلاً في الواقع لما كان بالإمكان تحويله ونقله بالطريقة السريعة التي تم بها ذلك، فهو رأسمال لم يكن منتجاً. والتشريع الإسلامي أيضاً لا يقبل أن يكون ثمة رأسمال مجمداً لا يستثمر لصالح ازدهار الاقتصاد والمجتمع.
http://www.arabinvestor.ae/002010 /